هل تعلم أن

ما هو السعوط ؟

2007/06/10
السعوط , وتسميّه العامة العطوس , هو دقيق التبغ الذي يدخل في الأنف أو يشمّ وينشق . وقد دلت البحوث الأخيرة أن عادة تنشق السعوط أخذت تنتشر في الآونة الحديثة , في أوساط الجنسين , وفي معظم البلدان المتحضرة . ذلك بأنهم يجدون متعة في تنشق القليل من هذا المسحوق المنشط المقوي ذي الخصائص الطبية . فهو , في عرفهم يطرد الزكام والأنفلونزا , فضلاً عن عمله كمنبه جسدي , وذهني , وباعث على القوة الجسمانية والصفاء الذهني .
سوى أن هناك أناساً , بعد , ينظرون عبر جهلهم الموضوع , إلى تنشق السعوط نظرة إدمان تحط من قدر ممارستها ولا تمارس في الأوساط المحترمة , علماً بأن متنشقي السعوط يضمّون اليوم الكثير من الخطباء , والأطباء , والمحامين والمعلمين , والواعظين من رجال الدين .
ويزعم متنشقو السعوط أن عادة التنشق هذه أكثر سلامة ونظافة وأماناً من تدخين الغليون , والسيكار , والسيكارة , وذلك فيه بعض التبرير , على ما يبدو . فليس ثمة أي دخان يزعج أولئك الذين لا يشاطرون المدخنين متعة الاستمتاع بالتبغ . وذلك بأن متنشق السعوط هو الوحيد الذي يتأثر به – ويتأثر به بطريقة "صحية" , على حد تعبيره . فضلاً عن أنه لا خطر هناك من عيدان الثقاب . أو الأطراف غير المطفأة جيداً – الأهم من ذلك كله أن السعوط أرخص كثيراً من منتجات التبغ التي يدخنها الناس .
اعتبر السعوط , تقليدياً , تبغاً في أصفى أشكاله , يسهل تمثيله واستعماله , وهو يرضي ممارسه . وقد عرف ذروة الشهرة الرومنطيقية في وقت ما , وظل حتى فترة قريبة يخوض معركة خاسرة ضد تدخين التبغ .
أما اليوم , فإن ثمة دلائل لا تخطىء على أن جيش متنشقي السعوط يكبر يوماً بعد يوم . فالشبان , والشيوخ , والرجال , والنساء يجدون في ذلك متعة غير متوقعة , فضلاً عن أن قواه الدفاعية التي لا جدال فيها ضد الأدواء التنفسية , تجتذب أعداداً مضاعفة من متنشقي هذا "الغبار الذهبي" الذي يجدونه منعشاً .
ليس تنشق السعوط أمراً جديداً , فقد كان شعب الآزتيك القديم في أميركا الجنوبية يمارس تنشقه مثلنا تماماً . ولكنه كان يسحن مسحوقه الخاص من أوراق التبغ المجففة قبل استخدام مباشرة . وكان راهب إيطالي قد رافق البحّار والمستكشف كريستوف كولومبوس في رحلته الثانية إلى جزر الهند السنة 1494 , فسجل كيف كان الهنود الحمر يسحنون أوراق التبغ في معامل خشب الورد , ويتنشقون الأجزاء العطرة بوساطة أنابيب يدخلونها في انوفهم .
استورد السعوط أولاً إلى أسبانيا , ثم إلى البرتغال . وفي السنة 1570 قدم السفير الفرنسي في لشبونه إلى الملكة كاترين دوميدوسيس بعضاً من السعوط كعلاج للصداع . فلم تلبث الملكة أن عممته في طول فرنسا وعرضها .
وفي انكلترا , كان تنشق السعوط سلوى الأغنياء والموسرين طوال نحو من قرنين بعد إدخال التبغ إلى البلاد . وقد ازدادت العادة إلى الدرجة كبرى خلال فترة انتشار وباء الطاعون السنة 1665 . ولكن لم تصبح عادة التنشق هذه منتشرة بين مختلف طبقات المجتمع إلا مع بداية عهد الملكة آن السنة 1702.
وتشاء المصادفات أن يقوم السر جورج روك بهجوم على الأسبان في تلك السنة بالذات , فكان جزء من الغنائم التي استولى عليها في فيغو , بضعة آلاف من براميل السعوط , حُملت إلى انجلترا وبيعت بأسعار منخفضة . ومذ ذاك , راجت عادة تنشق السعوط كثيراً بحيث بلغت في عهد الوصاية على العرش ذروة الإسراف في الأناقة , والغندرة , الرقة , والكياسة . فكان الشبان المتأنقون وزوجاتهم يتنشقون السعوط في كل مقهى , وصالون وقاعة محكمة .
وباتت علبة السعوط , ويفضل أن تكون من ذهب أو فضة ومزخرفة بالنقوش , جواز المرور إلى الطبقة العليا في المجتمع . ولم يكن بالوسع تناول المسحوق منها إلا بالقدر الصحيح وبتكلف مفرط .
وقد صور دجيمس بوزويل كاتب سيرة الدكتور دجونسون , مشاعر ذلك الزمان بهذه الأبيات :
"آه , أيها السعوط , يا غايتنا الأنيقة ,
سواء أكان اسمك ستراسبورغ , أم رابي , أو كنت هولندياً , أو اسكتلندياً .
أنت مسحوق سماوي . أنت خلاصة إلهية ,
مسرات جديدة تبهج روحي , وأنت ملكٌ لي !" .
وكان أسياد الموضة من الرجال يحملون عصياً مجوفة الرأس , كانوا يحفظون فيها السعوط , ويتناولون بضعة حبوب منه عبر فتحته . وقد دفع الممثل الشهير دايفيد غاريك بضع مئات من الليرات الاسترلينية ثمناً لعلبة سعوط ذهبية ابتاعها لزوجته . وكان لدى الأمير أورلوف علبة سعوط ثمينة كلّفته 30ألف استرلينية سرقها أحد النشالين , ولكن قبض عليه وأرسل إلى السجن في بوتاني باي , في أوستراليا .
وكانت النساء الأنكليزيات يستمتعن بالغبار العطري ذي النكهة الخاصة , مثل الرجال تماماً وكانت شهيرات منهن مدمنات متحمسات على تنشق السعوط , وعلى رأسهن الملكة كارولين , زوجة الملك جورج الثالث , والملكة تشارلوت زوجة الملك جورج الرابع – والممثلات فاني برني , والسيدة سيدونز , والسيدة دجوردان اللواتي اشتهرن بولعهن بتنشق السعوط .
ومن الأدباء والشعراء والكتاب والانكليز اشتهر كل من آديسون , وكونغريف , وبوب , ولام , بعلب السعوط الثمينة . وكان للمؤرخ غيبون طقس دقيق وسخيف في تنشق السعوط , في حين أن ستاينمتز وضع بعض الأنظمة والقواعد في آداب تنشق السعوط بإحدى عشرة حركة مختلفة . وكان الأمير الوصي على العرش وفياً لتنشق السعوط ويحتقر التبغ العادي , وقد وجد في قبوه إثر وفاته كمية من السعوط المختار بيعت بمبلغ 400استرلينية .
ونابوليون بونابرت شخصاً كان من متنشقي السعوط المدمنين , ويحتفظ بعلب السعوط التي لا تعد ولا تحصى . وخلال الحملة الحربية في إيطاليا السنة 1796 , كان يستعمل علبة سعوط عليها الرسم المنمنم لجوزفين ، زوجته . وقد ملأ الخوف الخرافي نفسه لدى تحطم غطائها . وكان أحد خصومه الجنرال فان غروشتن خلال حربة معه في هولندا , يقف على هضبة , مشرفاً على قيادة المعركة , عندما طلب بإلحاح إلى أحد الضباط من معاونيه الواقفين قربه , شيئاً من السعوط , وفي اللحظة التي كاد فيها الضابط يناول قائدة علبة السعوط , أصابتة قذيفة مدفع قاتلة , فالتفت القائد إلى الجانب الآخر وقال للضابط بكل برودة أعصاب :" حسناً , ياسيدي , أعطني بعضاً من السعوط ".
والرسام السر دجوشوى رينولدز كان من مدمني تنشق السعوط , وكان الوحيد الذي رسم به . فقد كان يكثر من التنشق بحيث أن السعوط كان يمتزج بألوان الزيتية وهو يرسم .
والأعمال التي تتطلب تركيزاً قوياً غالباً ما أدت إلى تنشق السعوط . ولعل أفضل مثال على ذلك هم عمال المطابع , ورجال الدين , والمعلمون وعمال المناجم والبحارة والخياطون الذي يستهلكون كميات كبيرة من السعوط . والكثيرون من عمال مصانع المنسوجات لا يعملون بجد ونشاط ما لم يتنشقون السعوط , فيزداد بذلك إنتاجهم .ويقسم الخطباء على أن في تنشق السعوط جلاء لصوتهم وتقوية له . ولدى مدخل مجلس الشيوخ في واشنطن جرتان ضخمتان مملوءتان بأفخر أنواع السعوط برسم الشيوخ الذين يمرون في طريقهم إلى قاعة المجلس .