هل تعلم أن

في رحلة النجاح... الطريق نصف الهدف تشوك فراي – بتصرّف-

2013/06/03

يقول الراحل إيرل نايتينجل Earl Nightengale – أحد الخبراء البارزين في التطوير الذاتي -في سبيل تحقيق الذات و التوصل إلى النجاح في الحياة يفكِّر الناس بطرقٍ مختلفة و يسلكون دروباً متفاوتة.

وهكذا نراهم ينقسمون إلى زمرتين. زمرة البحّارة المغامرين في النهر الغامض و المستكشفين لكنوز الفرص المجهولة، و زمرة الجادّين على طرق الأسفلت المهندسة للوصول إلى أهدافٍ مرسومةٍ بالمسطرة و الفرجار و الذين لا يعنيهم مسار الرحلة بقدر ما يعنيهم الوصول إلى الميناء.

1- لا نجاح قبل الوصول إلى الميناء:
كثيرٌ منا يعرف – أو ربما يكون هو نفسه- من هذه الزمرة التي يتميز أعضاؤها بتدوين أهدافهم و رسم جداول أعمالهم للوصول إليها، ثمَّ التركيز على تحقيق تلك الأهداف بترتيبٍ معيّن.

من خلال النظر إلى خارطة المنجزات المستقبلية أمامهم فإنَّ أعضاء زمرة " النجاح بالأهداف المرسومة" يضعون أمام عقولهم المبدعة مجموعةً واضحةً من المحفزات التي تستدعي و توجِّه نشاطها.

و من ثمّ فإنّ عقولهم سوف تتابع في لاوعيها العملَ على احتضان الأفكار و الملاحظات و المعارف التي تساعدهم في التوصل إلى أهدافهم.

ولعلَّ خير تشبيهٍ لهذه الطريقة في التفكير و السلوك هو التشبيه بنشاط اللاعبين في كرة القدم. إنَّ الحدود الخارجية المرسومة للملعب، و الإطار المحدّد لموضع الهدف هيَ الخطوط الواضحة التي تتركّز بموجبها طاقاتهم الإبداعية.

2- مغامرةُ الإبحار هي النجاح:
أعضاء هذه الزمرة لا يروق لهم التقيّد بالطرق المفصّلة نحو النجاح. و يدعون ببحارة النهر لأنهم يجدون سعادتهم و تحقيق ذواتهم في خوض نهرٍ – أو مجالِ عمل- يوافق شغفهم.

بالرغم من عدم تقيّد هؤلاء البحّارة المستكشفين بخطّة ملموسة و أهدافٍ مقيسة فإنّهم كثيراً ما ينجحون بسبب ولعهم الشديد بالمجال الذي يعملون فيه. و هذا الولع يتيح لهم ملاحظةَ فرصٍ تحوّليّة هائلة قد لا تكون واضحةً على شاشة المراقبة العقلانية لدى زمرة الناس الذين يضيق تركيزهم و يكاد ينحصر بأهدافهم المرسومة.

إنَّ الأعضاء في زمرة البحارة هم مستكشفون بطبعهم. فلا يتوقّفون عن طلب فرص المعرفة و التجارب الجديدة.

و خلافاً لزمرة النجاح بالأهداف المفصّلة فإنَّ المتعة الحقيقة لدى هؤلاء هي في خوض غمار الرحلة بحدِّ ذاتها و ليس في الوصول إلى الهدف.

ومن وجهة نظر إبداعية فإنَّ زمرة البحارة هم الأكثر توفيقاً في الإفادة من موهبة "ملاحظة الاكتشافات العرَضية و تطويرها (Serendipity)" لأنهم بطبيعتهم أكثر انفتاحاً على الأفكار و وجهات النظر الجديدة، بالمقارنة مع أندادهم أصحاب الأفكار المنصرفة إلى اتجاهٍ محدّد. 

تعرّف على خصائص الزمرتين في نفسك:
معظم الناس هم مزيجٌ من النمطين الشخصيين السابقين. و أنا شخصياً أرى نفسي في ساعات وظيفتي على النحو الذي يتوقعه منّي أصحاب العمل: متوجّهاً نحو الأهداف.

فلديّ كما لدى كلِّ موظف المسؤوليّة عن مجموعة من الأهداف على المستوى الشخصي و على مستوى القسم الذي أعمل فيه.

وفي الوقت ذاته فإنّ جزءاً كبيراً من القيمة و النجاح في حياتي و عملي إنّما ينشأ عن نصفي الآخر المنطلق، المستكشف المولع بالمغامرة، و الساعي دون توقف نحو تعلّم مهارات و معارف جديدة.

المطلب الأهمّ هو التعرف على كلا الجانبين في نفسك و رعايتهما معاً. و تخبرنا الكاتبة جويس ويتكوف عن هذه الحقيقة المهمّة في كتابها "A Year Of Waking Up" لقد بلغت الخمسين و فجأة أحست بالفراغ و الخيبة...

وفي الوقت ذاته كان يناديها من أعماقها صوتٌ ضئيلٌ خافت أن هلمّي إلى استكشاف نشاطات و تجارب جديدة! و كانت إجابتها على ذلك النداء حضور صفوفٍ خاصة بتعليم و رعاية الفن، و العناية بمجلّتها الخاصة، و الاهتمام بكتابة الشعر و غير ذلك من الأعمال الفنيّة.

و بعد ذلك انقلبت حياتها و أصبحت رحلة العمر مسيرة رائعةً ممتعةً مضيئة بالأمل و المعرفة.

تقول ويتكوف "لقد أيقظت تلك الرحلة فيّ السؤال مجدّداً عن ذلك الكمّ الهائل الذي ينتظرنا أن نكتشفه في حياتنا... أليست حياتنا أشبه بالصورة الرياضيّة (Fractal) المكوّنة من ملايين الخطوط و النقاط الدقيقة المستندة إلى منطقٍ رياضيّ خفيّ و التي يمكنك أن ترى فيها المزيد و المزيد من المشاهد الرائعة المترابطة و المتناغمة كلّما تعمّقت فيها؟..."

نجاح فرقة الأوركسترا لا يأتي من اتباع النوتة و عصا المايسترو و حسب، بل هو مرهونٌ أيضاً بأن يتبع كلُّ عازف ولعه بالأداء الأفضل لمواهبه و التجربة الأمتع لمشاعره.

إذا كان نمط التعلّق بالأهداف المرسومة هو النمط المسيطر في شخصيتك فلم لا تتمهل قليلاً و تتيح لنفسك الانطلاق في الغابات على جانبي الطريق، لا لشيء إلاّ لمتعة ذلك الانطلاق بحدّ ذاته؟ جرّب حضور صفوفٍ دراسية في الأشياء التي تحبّها، اقرأ مجلاتٍ مختلفة، تحدّث مع أشخاص جدد... افعل كلّ ما تحب فعله منفتحاً على التجارب الجديدة. و بعد ذلك فإنني واثق من أنك ستدهش من ذلك الغنى الهائل الذي ستجلبه إلى حياتك تلك التجارب.

و إذا كان نمط الإبحار في النهر هو المسيطر عليك فعليك السعي إلى استكشاف مجموعةٍ معينة من الأهداف حتّى تمنحك المزيد من التركيز و التوجيه. مثلاً: دون قائمةً بالكتب التي ينبغي أن تقرأها، أو المعارف و المهارات التي يجب أن تحصّلها، أو الأماكن التي يجب أن تزورها. 

كن مستعداً للبحث و استقبال التجارب و فرص التعلّم و المعرفة الجديدة في أيِّ وقت فأنت لا تعرف في أية لحظةٍ و تحت أي غطاء ستسنح لك تلك الفرص ، و يبقى سرُّ النجاح في ترصّدها الدائم و دقّة التعرف عليها.