تنظيم الإدارة العامة للبلاد
كان الملك عبدالعزيز، يدير شؤون بلاده العامة، في فترة التوحيد، على أساس تطبيق الشريعة الإسلامية، ومبدأ الشورى. وقد اتبع هذا النهج، مستفيداً من تاريخ أسلافه العظماء، قادة الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية. فقد كانت الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في بلاده. وكان يتشاور مع العلماء، وأمراء الحاضرة، ورؤساء القبائل، إضافة إلى أفراد أسرته، وذوي الرأي الصائب من البلاد. كما أن صفته القيادية، وخبرته الطويلة، أضافتا الشيء الكثير إلى تلك الطريقة، مما أدى إلى تطويرها.
واستفاد الملك عبدالعزيز، في الفترة الأولى من حكمه، من بعض الشخصيات النجدية المتعلمة، التي كانت تعيش خارج بلاده. فكانوا نعم العون له، سواء من بقي منهم في القطر الذي يعيش فيه، أو من قدم إلى نجد، وعمل تحت رايته، واحتل مناصب مهمة لديه. واستفاد، أيضاً، من شخصيات عربية غير نجدية، أتت إليه، بصفة عامة لاجئة من أوضاع بلدانها، والتحقت بخدمته في وظيفة، استشارية وتنفيذية، فتبوأت عنده مكانة رفيعة. وإضافة إلى هؤلاء وأولئك، استفاد من رجالات المناطق غير النجدية، خاصة الحجاز، التي توحدت تحت رايته.
وبعد أن قام الملك عبدالعزيز بتوحيد الأحساء والقطيف وعسير والحجاز، استفاد مما كان موجوداً فيها، من التنظيمات الإدارية، خاصة منطقة الحجاز، التي كانت الدولة العثمانية، قد أنشأت فيها كثيراً من المصالح والدوائر. وقد راعى الملك عبدالعزيز ظروف إقليم الحجاز الخاصة، فتعامل معه بحكمة ومرونة، واستفاد من تجارب من سبقوه، في تنظيم أمورها وإدارتها. وحينما دخل مكة المكرمة، جمع علماءها وأعيانها، وطلب منهم أن يكونوا عوناً على تسيير شؤون البلاد، وأن ينتخبوا من بينهم أعضاء ليعاونوا على تسيير أمور الإقليم. فانتخبوا من بينهم أحد عشر رجلاً، كونوا ما عُرف بالمجلس الأهلي ، الذي عُهد إليه النظر في نظام المحاكم الشرعية، وتدقيق مسائل الأوقاف، ووضع نظام للأمن الداخلي، وسن لوائح للبلدية، لإدارة الصحة بمكة، ونشر التعليم فيها، وتعميم القراءة والكتابة، وتنظيم التجارة ووسائل البرق والبريد.
وكان أهل الحجاز، قد بايعوا الملك عبدالعزيز، في 22 جمادى الثانية سنة 1344هـ/7 يناير 1926م، ملكاً على الحجاز. وكان يسعى إلى توحيد الحجاز مع نجد، في وحدة، تحفظ لكل من هذَين الإقليمَين كيانه الخاص، خاصة بعد أن طلب منه أهل الحجاز، أن يديروا أمورهم بأنفسهم. فعين، في تلك السنة، ابنه، الأمير فيصل بن عبدالعزيز، نائباً عنه في الحجاز. وجاء في جريدة "أم القرى"، الخبر التالي: "أمر جلالة الملك ـ أيده الله ـ نجله، سمو الأمير فيصل، أن يتولى رئاسة الحكومة، في مكة، ريثما يتم ترتيب التشكيلات العامة. وقد صدر أمره العالي، بأن يكون مع سموه، مجلس استشاري، مؤلف من حضرات الأفاضل: الشيخ حمزة الفعر، والشيخ صالح شطا، والشيخ عبدالعزيز العتيقي. وقد استلم سموه زمام الأمور، اعتباراً من صباح الأربعاء 28 جمادى الثانية 1344هـ/14 يناير1926م".
وتشكلت هيئة، لوضع أسس التنظيمات الإدارية للبلاد. وصدر عنها تعليمات، سُميت "التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية"، وذلك في 21 صفر سنة 1345هـ/31 أغسطس 1926م. وتألف، بموجبها، مجلس الشورى، الذي كان قوامه ثمانية أعضاء، يرأسه النائب العام للملك في الحجاز (الأمير فيصل بن عبدالعزيز). وكانت مهمة المجلس استشارية وتنظيمية، إلا أن له الحق، أيضاً، في لفت نظر الحكومة، في تطبيق الأنظمة. وقد أنجز ذلك المجلس كثيراً من الأنظمة والتعليمات والمقررات. كما شُكل، سنة 1345هـ/1926م، مجلس تنفيذي، من رؤساء الدوائر الحكومية، لمساعدة النائب العام في الحجاز، على إنجاز مهماته الإدارية. وقد تطور هذا المجلس، فانبثق منه، في رمضان سنة 1350هـ / يناير1932م، "مجلس الوكلاء"، الذي كان يرأسه النائب العام في الحجاز. وضم في عضويته وكيلَي الخارجية والمالية، ورئيس ديوان النائب العام ومعاونه، ونائب رئيس مجلس الشورى. ثم ازداد أعضاؤه، شيئاً فشيئاً، حتى حل محله مجلس الوزراء، سنة 1373هـ/1953م
وكانت تلك التنظيمات الإدارية العامة، مركزة في منطقة الحجاز. أما شؤون نجد، والأمور السياسية العامة للبلاد، خاصة الخارجية منها، فكان يديرها الملك عبدالعزيز، من طريق عدة قنوات، منها:
أ .المجلس الخاص:كان يعقد مرتين، في اليوم، برئاسة الملك عبدالعزيز. ويحضره الأمير عبدالله بن عبدالرحمن، وولي العهد، الأمير سعود بن عبدالعزيز. كما يحضره من يحمل لقب وزير دولة، والمستشارون.
ب .الشعبة السياسية:كانت تتولى الشؤون الخارجية. وتحولت إلى مديرية الشؤون الخارجية، ومقرها في مكة. وكان يديرها الدكتور عبدالله سعيد الدملوجي. وفي 29 رجب 1349هـ/19 ديسمبر 1930، أنشئت وزارة الخارجية، وتولاها الأمير فيصل بن عبدالعزيز، طوال مدة حكم والده، ومدة حكم أخيه، الملك سعود.
ج.الديوان الملكي:يعنى بالأمور الداخلية.
كما كان هناك عدة شعب أخرى، ذات اختصاصات محددة، مثل شعبة البادية، والخاصة الملكية، والمحاسبة، والأعطيات، والوفود، والضيافة. وأسند الملك عبدالعزيز إلى ابنه الأمير سعود، الذي أصبح ولياً للعهد، سنة 1352/1933م، عدة أمور إدراية، في منطقة نجد، فأسهم إسهاماً واضحاً في تسيير الأمور الإدارية، في تلك المنطقة.