تنظيم الجيش
لم يكن للملك عبدالعزيز جيش دائم، يعتمد عليه، خلال مرحلة التوحيد. بل كان الحال، كما كانت عليه قوات أسلافه، من قادة الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية. وكانت قواته تتكون من أفراد الحاضرة والبادية. وكان يدعو أتباعه، فتجتمع فئاتهم تحت رايته. وكان لكل مجموعة من أتباعه أميرها الخاص. كما كانت كل مجموعة، تعتمد على إمكاناتها، الذاتية أو المحلية، تمويناً وتسليحاً. وبعد انتهاء مهامهم الحربية، يعودون إلى بلدانهم ومواطنهم، ليعاودوا أعمالهم المعتادة، كالزراعة والتجارة والرعي.
وبعد نجاح فكرة الملك عبدالعزيز الرائدة، بتوطين أفراد البادية، التي استوطن أبناؤها في الهجر، اعتمد عليهم، فأصبحوا في طليعة قواته المحاربة.
على أنه، بعد ضم منطقة الحجاز، التي كان يوجد فيها جيش منظم، خلال فترة الحكم، العثماني والهاشمي ـ استفاد الملك عبدالعزيز من تلك التجربة، فعمل على تنظيم قواته وتطويرها. ولما كان محاصراً لمدينة جدة، أصدر عفواً عاماً عمن يغادرها إلى مكة، أو أي مكان آخر. وشجع هذا العفو بعضاً من أفراد القوات النظامية الهاشمية على الالتحاق بقوات الملك عبدالعزيز. وقد وعدهم بأن تكون أوضاعهم أحسن مما كانت عليه. وبعد دخول الملك عبدالعزيز جدة، التحق بقواته كثير من أفراد الجيش الهاشمي، الذين أسهموا في إنشاء إدارات الشرطة، والأمن، وخفر السواحل، كما بذلوا جهوداً موفقة في تشكيل الوحدات العسكرية، في مختلف جهات المملكة. كما استقدم الملك عبدالعزيز سنة 1346هـ/1927، من سورية، العقيد محمد مراد الاختيار وأسند إليه تشكيل بعض الإدارات العسكرية.
وفي سنة 1348هـ/1929م، أمر الملك عبدالعزيز بإنشاء مديرية الأمور العسكرية. واستقدم من سورية، لإدارتها، نبيه بك العظمة، ومعه فوزي القاوقجي، مساعداً له. وأُدخلت تحسينات كبيرة في فروع الجيش النظامي. فتشكل بفوج من المدفعية، وآخر من الرشاشات، وثالث من المشاة، التي قامت بأول استعراض عسكري، في جدة، سنة 1349هـ/1930، أمام الملك عبدالعزيز. وبدأ الجيش السعودي يتطور، تدريجاً، الأمر الذي استدعى إنشاء وكالة للدفاع، مع استمرار بقاء مديرية الأمور العسكرية، وكان ذلك سنة 1353هـ/1934م. وقامت الوكالة بإعادة تشكيل وحدات الجيش، فأصبحت وحدات الجيش، تتكون من سلاح المشاة، وسلاح الفرسان، وسلاح المدفعية. ثم نُظمت تلك الوحدات، على أساس كتائب وألوية. وأُنشئت المدرسة العسكرية، في الطائف، سنة 1353هـ/1934. وتحولت، سنة 1368هـ / 1949م، إلى الكلية الحربية. وقامت بتخريج العديد من الضباط. ثم نُقلت، سنة 1374هـ/1955م، إلى الرياض. وأصبح اسمها كلية الملك عبدالعزيز الحربية. وفي سنة 1358هـ/ 1939م، أُلغيت مديرية الأمور العسكرية، لتقوم مكانها رئاسة الأركان.
وقد شهد الجيش السعودي تطوراً عظيماً، حينما أُنشئت وزارة الدفاع، وأصبح الأمير منصور بن عبدالعزيز وزيراً لها، وذلك في 16 ذو الحجة 1363هـ/1 ديسمبر 1944م. وكان الأمير منصور ناشطاً ومتحمساً لعمله. فاتخذ عدة خطوات موفقة، كانت تهدف إلى تطوير الجيش وتنظيمه، تدريباً وتسليحاً. واستقدم خبراء عسكريين من الخارج، لتدريب منسوبي الجيش. وقامت وزارة الدفاع بابتعاث أفراد الجيش إلى الدول، العربية والأجنبية، للاستفادة من الجديد في المجالات العسكرية. كما قامت بإنشاء المدارس العسكرية، كمدرسة الإشارة واللاسلكي، ومدرسة الطيران، ومدرسة الصحة والإسعاف. كذلك، أُنشئ المستشفى العسكري، في الطائف. وبدأ العمل ببناء المصانع الحربية، في الخرج. وبهذا، اكتمل بناء الأسس القوية للجيش السعودي، في عهد الملك عبدالعزيز. وقد شارك هذا الجيش في حرب فلسطين، سنة 1367هـ/ 1948م، وأبلى بلاءً حسناً.