معركة الشنانة
على الرغم من أهمية معركة البكيرية، إلاّ أنها لم تكن حاسمة. فقد خسر الأمير عبدالعزيز بن سعود كثيراً من جنده ومعداته. ولكنه، بخبرته وحسن قيادته، استطاع أن يعوض هذا النقص، وجمع حوالي عشرة آلاف مقاتل، في خلال عشرة أيام.
بقي الطرفان في موقعيهما مدة شهرَين؛ ابن رشيد في الشنانة، يقابله ابن سعود في الرس. كانت المناوشات الخفيفة، تجري بينهما، من دون قتال حاسم، مما أصاب المحاربين، في الطرفين، بالضجر، وتناقصت الإمدادات والإبل، وتفرقت جموع البادية، ولم يبق مع ابن الرشيد سوى الجنود النظاميين، وأهل الجبل. كذلك، لم يثبت مع ابن سعود سوى أهل الحاضرة. ورحل عبدالعزيز بن رشيد بجنوده الجياع إلى قصر ابن عقيّل، وفيه سرية لابن سعود، فضربه بالمدافع. وقبل أن يهجم على القصر، في الصباح، كان الأمير عبدالعزيز بن سعود، قد سبقه إلى داخله، وثبت فيه. وفي الصباح، صب ابن رشيد نيران مدافعه على القصر. فخرج له ابن سعود، واقتتلوا قتالاً شديداً، انهزمت على أثره قوات الترك النظاميين، وفروا هاربين. فلم يجد عبدالعزيز بن رشيد بداً من الهرب، أيضاً، تاركاً وراءه غنائم كثيرة، منها الذخائر والسلاح والأموال، ظلت قوات ابن سعود تجمعها طيلة عشرة أيام. وحملت صناديق الذهب العثماني إلى عنيزة. وكانت معركة الشنانة في 18 رجب 1322هـ/29 سبتمبر 1904م.
وطدت معركة الشنانة الحكم السعودي، ليس في القصيم، بل في نجد بأسرها. كما أنها قضت على النفوذ العثماني في نجد "وانهارت بها الصخرة الأولى من صرح ابن رشيد". وقد وصف بعض الكتاب العرب وغيرهم أهميتها؛ فقال أمين الريحاني: "وقعة الشنانة، والأحرى أن تدعى بوقعة وادي الرمة، هي القسم الثاني من مذبحة البكيرية، التي قضت على عساكر الدولة، وأغنت أهل نجد". وأضاف: "تشتت ما تبقى من جنود الدولة، بعد هذه الوقعة. فكانت حالتهم محزنة، فقد فر بعضهم مع ابن رشيد، وهام الآخرون في الفيافي، كالسائمة. ومنهم من لجأ إلى ابن سعود، فآواهم وكساهم وأعطاهم الأمان". أما كنت وليمز، فقال: "كانت هزيمة الأتراك، في سبتمبر سنة 1904م، شنيعة حقاً، فاستسلم بعضهم للوهابيين، ولجأ آخرون إلى قبائل شمر، وذهب كثيرون ضحايا الجوع والعطش".