هل تعلم أن

ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبدء الدعوة الوهابية الإصلاحية

2011/01/24

ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبدء الدعوة الوهابية الإصلاحية




ينتمي الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى أسرة آل مُشرف، من فروع آل وُهَبَة، أحد بطون قبيلة تميم. فهو محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن بُريد بن محمد بن بُريد بن مشرف. كان جده، سليمان، عالماً من علماء نجد، في القرن الحادي عشر الهجري. وتولى القضاء في روضة سدير. كما كان والده، عبدالوهاب، قاضياً في بلدة العيينة، ثم عُزل عام 1139هـ، وعين قاضياً لبلدة حريملاء.
ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بيت علم، في بلدة العيينة، سنة 1115هـ /1703م. وتلقى تعليمه الأولي على يد والده، وحفظ القرآن الكريم، في صغره. كما درس الفقه والتفسير والحديث. ثم ذهب للحج. ومن مكة المكرمة، توجه إلى المدينة المنورة، ثم عاد إلى العيينة.
وتميز محمد بن عبدالوهاب بقوة الذاكرة، والتعلق بالعلم. فانطلق طالباً المزيد منه. فرحل إلى مكة المكرمة، ثانية، ومنها إلى المدينة المنورة، حيث حضر حلقات الدرس، في الحرم النبوي، للشيخ النجدي، عبدالله بن إبراهيم بن سيف، الذي شجعه على القراءة في الفقه الحنبلي. وتلقى العلم، أيضاً، من عالم الحديث، الشيخ محمد حياة السندي المدني (توفي عام 1165هـ)، الذي تأثر به محمد بن عبدالوهاب، في الدعوة إلى التجديد، ومحاربة البدع في الدين، وما يؤدي إلى الشرك من الأعمال.
وعاد محمد بن عبدالوهاب إلى بلدته، العيينة. ومكث بها عاماً. وتوجه إلى البصرة، ليرضي نهمه في العلم. وفيها درس الفقه، وعلوم الحديث، وقواعد اللغة العربية.
وفي البصرة، التي كانت، آنذاك، تعج بالمذاهب والفِرق، آنس في نفسه القدرة على معارضة الأمور، التي كانت تجري على خلاف الشرع؛ وأن ينكر ما يرتكب، هناك، من البدع التي تفضي إلى الشرك؛ وأن يشترك في النقاش، حول التوحيد والعقيدة، مما أثار عليه بعض الأهلين، وآذوه. ولهذا، أجبر على مغادرة البصرة، فتوجه إلى الزبير، ومنها إلى الأحساء، حيث مكث بعض الوقت، واستفاد من علمائها، مثل عبدالله بن فيروز، ومحمد بن عفالق، وعبدالله بن محمد بن عبداللطيف الشافعي الأحسائي.
وخلال طلبه العلم، عكف الشيخ محمد بن عبدالوهاب، على دراسة كتب شيخ الإسلام، تقي الدين أحمد ابن تيمية (المتوفي عام 728هـ/1327م ). ودرس آثار تلميذه، ابن قيم الجوزية (المتوفي 751هـ/1350م). وتأثر بهما كل التأثر، خاصة رأي ابن تيمية في ضرورة العودة، في أمور الدين، إلى الكتاب والسُّنة، وما صح عن الصحابة من آثار؛ وتصحيح العقيدة وتنقيتها من بدع المتصوفة والمتكلمة. وتأثر به في محاربته للبدع والمنكرات، التي تؤدي إلى الشرك، مثل الاستغاثة بغير الله، والتوسل بالأولياء والموتى، والاعتقاد أنهم يجلبون النفع، ويدفعون الضر. وكذلك، التبرك بالأضرحة والأشجار، وغير ذلك. وكان الشيخ محمد بن عبدالوهاب، دائم التمثل بآراء ابن تيمية، في كتبه ورسائله.
ورجع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلى بلدة حريملاء، التي عُيّن أبوه قاضياً لها. وكان وصوله إلى نجد بين عامَي 1144هـ ـ 1149هـ/ 1731 ـ 1736م.
وقد استنكر الشيخ ما كان عليه الناس، في منطقته، من جهل بأمور عقيدتهم، وشيوع البدع والخرافات بينهم. فصح منه العزم على دعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة، وإلى التوحيد الخالص لله، وتنقية معتقداتهم مما شابها، من أعمال الشرك. فألف كتابه، "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، الذي لاقى رواجاً كبيراً بين الناس، في نجد.
وأهم ما جاء في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إحياء عقيدة التوحيد، وإخلاص العبادة لله، وإفراده ـ سبحانه ـ بها؛ ومحاربة الشرك، بأنواعه، وسد الذرائع المؤدية إليه، والتصدي للبدع، التي أحدثت في الدين، والقضاء عليها؛ وتطبيق الشريعة، في كل أمور الحياة. وفي الحقيقة أن هذا هو جوهر الإسلام، ولم يكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مبتدعاً في ما دعا قومه إليه. ولم يأت بمذهب جديد. ولا هو دعا إلى تشريع مختلف. إنما جدد ما اندرس من أمور الدين، ودعا للعودة إلى النبع الصافي للعقيدة الإسلامية.
وقد انقسم الناس، إزاء هذه الدعوة بين مؤيد ومعارض. فوجدت لها أنصاراً، ممن شرح الله صدورهم لمعرفة الحق. ولاقت معارضة الجهال، من العامة، الذين رفضوا أن يتركوا ما نشأوا عليه. وعارضتها فئة من العلماء، الذين كانت لهم مصالح دنيوية. وكان عبدالوهاب بن سليمان، والد الشيخ محمد، معارضاً لأسلوب ابنه في الدعوة، وليس للدعوة نفسها. وبعد وفاة والده، عام 1153هـ / 1740م، اشتد الشيخ في دعوته. وازداد إنكاره لما يراه باطلاً. وانتشرت الدعوة الإصلاحية في أرجاء المنطقة. وتوافد على الشيخ المؤيدون، ومنهم أمير بلدة العيينة، عثمان بن حمد بن عبدالله بن معمر.