هل تعلم أن

الترتيب المنطقي للعلوم

2010/12/26

كتبها  د. محمود ابوالمجد 

أعتقد الفيلسوف أوجست  كومت (1798-1857) أن العلم لابد أن يمر بقانون المراحل الثلاث (الإحيائية و الميتافيزيقية و الوضعية)  و أدعى ان العلوم لابد أن ترتب  من حيث الأقدم -و الأسبق تاريخيا- و الأبسط منطقيا- و الأشمل في تطبيقه دون الحاجة للعلم الذي يليه و عليه يكون الترتيب المنطقي  للعلوم كما يلي:

الرياضيات – الفيزياء – الكيمياء – الأحياء – الإجتماع.

فكل علم مستقل عما بعده و لا يحتاج اليه فالفيزياء هي أول العلوم التجريبية التي وصلت الى المرحلة الختامية (الوصفية) و هي لا تعتمد الا علي الرياضيات لانها هي أول العلوم  التي وصلت  للوضعية.

فالحقائق التي يكتسبها الإنسان من خلال حواسه تجعل العقل يحصل له مدركات حسية من العالم الخارجي  تعطي انطباعا و أفكارا.

فالفيزياء تزودنا بمعرفة دقيقة عن الأشياء بنسبتها بطريقة رياضية لأشياء أخرى. فإذا قال الفيزيائي ان وزن شخص ما 70 كيلوجرام  لابد ان يعرف الكيلو جرام و ينسبه الي شيء مدرك حسيا مثل أن  يقدر  السامع أن هذا الشخص يزن 70 ضعف مكعب من الماء طول ضلعه 10  سم  فالشخص العادي يعرف الماء و يعرف  المكعب و فكرة الأرقام و النسب مألوفة لعقولنا و عن طريق هذه النسب يمكن أن نكتسب معرفة حقيقية من العالم الخارجي.

المادة الخام لأي علم هي حقائق متجمعة و قيم النسب التي تحدثنا عنها هي المادة الخام للفيزياء و لكن مجموعة من الحقائق ليست علما الا أن يتم التوفيق بينهما في أقل عدد من القوانين العامة بصورة رياضية منطقية فإن أفعال الطبيعة تخضع للمنطق مثل المنزل تخضع حجارته لتركيب و ترتيب منطقي ليشكل منزلا و لولا هذا التركيب لكان كومة من الحجارة و عليه فإن مجموعة من الحقائق لا تشكل علما كما ان كومة من الحجارة لا تشكل منزلا.

 

فالاحجار المنفصلة هي اعداد خالصة لا بد من وضعها في صيغ رياضية تعبر عن نمط الاحداث و لكن نظرا لان عقولنا لاترحب بالمعرفة عن طريق رياضي بحت معبر عنه في صورة اعداد و رموز رياضية لجأ الى تمثل الطبيعة على هيئة صور لتفسير الظواهر المختلفة فالطفل لا يستطيع فهم الرموز س و ص و ع الا اذا اخبرته انها مجموعة من التفاح و البرتقال و نظرا لان ذلك  الشرح غير كافي لكل الظواهر لجأ الانسان الي محاولات اخري لتفسير الطبيعة مثل التفسير الهندسي و هذا التفسير كان واضحا في اقدم علوم الفيزياء و هو علم الفلك حيث اعتبر حركة الكواكب في دائرة و سير الضوء في خطوط مستقيمة و نظرا لأن الانسان القديم  الذي لايزال ينظر الي الكون بقدسية و يعتقد في كماله افترض أن الكواكب تسير في دائرة لانها باعتقاد الفلاسفة هي الشكل الكامل و الذي لا بد ان تسير فيه الكواكب و ذلك يفسر معارضتهم تضامنا مع الكنيسة لنظرية كبلر الذي اوضح سير الكواكب في شكل اهليجي  

لذلك جرت محاولات لتفسيرات ميكانيكية للطبيعة مثل القوة و الضغط و الشد و قدم ذلك نيوتن في تفسيره للطبيعة في لغة ميكانيكية تم تدعيمها لاحقا من قبل ماكسويل و فراداي الذين رأو ان العالم عبارة عن جسيمات تتحرك بتأثير الدفع و الجذب من جانب جسيمات أخرى و لكن هذه التفسيرات لحقها الفشل لسببين الأول قدمته نظرية النسبية حيث أن جوهر التفسير الميكانيكي هو ان كل جسيم يحدث دفعا أو جذبا حقيقيا و محددا له كمية ثابتة في المكان و الزمان يمكن قياسها و لكن نظرية النسبية اثبتت ان هذه الكمية غير مطلقة و تختلف كما و كيفا حسب سرعة الراصدين لها و كل يعتقد ان قياسه صحيح و السبب الثاني قدمته نظرية الكم و التي اوضحت ان الأنشطة الاساسية لا يمكن تمثيلها على انها تقع في الزمان و المكان و عليه فانها ليست ميكانيكية بالمفهوم العادي للكلمة.

و الي لقاء ان شاء الله