هل تعلم أن

التنظيم المالي

2011/01/24

التنظيم المالي



لقد اعتمدت موارد البلاد المالية، في الأطوار الأولى من مرحلة التوحيد، على مصدرَين: المصدر الأول هو الزكاة، التي كان أتباع الملك عبدالعزيز يؤدونها إليه، كزكاة الإبل والغنم من البادية، وزكاة التمر والحبوب من الحاضرة.
أما المصدر الثاني، فهو الغنائم الناجمة عن معارك الملك عبدالعزيز ضد الخصوم، أو الغارات التي كانت ضد من يرفضون الدخول في طاعته. إلا أن الدخل من هذين المصدرَين، لم يكن كافياً لسد الحاجات المتعددة الجوانب. لذلك، كان لا بدّ من فرض ضريبة على السكان، خاصة على من لا يشتركون في الغزوات، سميت ضريبة الجهاد. كما أن الملك عبدالعزيز، كان يلجأ، أحياناً، إلى الاقتراض من أغنياء البلاد.
وبعد ضم منطقة الأحساء والقطيف، سنة 1331هـ/1913م، طرأ تحسن كبير على موارد البلاد. ذلك أن تلك المنطقة غنية بثرواتها الزراعية، أنها كما تمتاز بكثرة سكانها، من البادية، إضافة إلى الدخل من الجمارك على البضائع الواردة إلى موانئها. كما عزز توحيد منطقتَي عسير وجبل شمر تحسن الأوضاع المالية.
وبتوحيد الحجاز، سنة 1344هـ/1925م، انتهى مصدر الغنائم. ولكن حل محله مصدر آخر، وهو دخل الحج، إضافة إلى زكوات المنطقة وجماركها.
إلا أن تلك المصادر، لم تكن كافية لسد حاجات البلاد، أمام تصميم قائدها، الملك عبدالعزيز، على القيام بإصلاحات متعددة الجوانب. ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أمده بمصدر آخر، ألا وهو النفط، الذي أدّى دوراً كبيراً في تحسين الشؤون المالية في البلاد. ففي سنة 1342هـ/ 1923م، وقّع الملك عبدالعزيز اتفاقية، مع شركة سنديكيت الشرقية الإنجليزية، للتنقيب عن النفط في البلاد. ولكنها لم تف بتعهداتها، فألغيت الاتفاقية، سنة 1347هـ / 1928م. وجاء الثري الأمريكي، تشارلز كرين (Charles R. Crane )، رئيس لجنة كينج ـ كرين (King - Crane )، الموفدة من الرئيس الأمريكي، وودرو ولسون (Woodrow  Wilson )، إلى البلاد العربية، في زيارة إلى الملك عبدالعزيز، سنة 1349هـ/1931م. وفي أثناء المقابلة، شكا الملك عبدالعزيز له ندرة المياه في بلاده. فوعد بإرسال خبير جيولوجي، للمساعدة على ذلك الأمر. وفعلاً، أرسل تشارلز كرين الخبير الجيولوجي، تويتشل ( Twitchell ) ولكنه أقنع الملك عبدالعزيز بقلة موارد المياه في المملكة. فطلب منه الملك دراسة إمكانية وجود معادن في البلاد. فلم يجد ما يشجع على ذلك.
على أن تويتشل قام بمقارنة تربة منطقة الأحساء بتربة البحرين، التي كان النفط قد اكتشف فيها من قبل. فرجحت لديه إمكانية وجود نفط، في منطقة الأحساء. ففوض إليه الملك عبدالعزيز، أن يتصل بمسؤولين للتنقيب عنه. وقد استطاع تويتشل إقناع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا Standard Oil of California SoCal بالتنقيب عن النفط، في منطقة الأحساء.
وفي 4 صفر سنة 1352 / 29مايو 1933م، وقّع كل من حكومة المملكة العربية السعودية وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا، إتفاقية التنقيب عن النفط، في المنطقة الشرقية، وفق عدة شروط. منها: أن مدة امتياز الشركة ستين عاماً؛ وأن عليها أن تقرض المملكة، من الفور، ثلاثين ألف جنيه ذهبي، ثم تقرضها عشرين ألفاً، بعد ثمانية عشر شهراً، وتدفع إليها خمسة آلاف جنيه إيجاراً سنوياً، ثم تدفع إليها، بعد اكتشاف النفط، أربعة شلنات عن كل طن منه. وفي عام 1357هـ/1938م، اكتُشف النفط، قرب بلدة الدمام، بكميات تجارية. وبعد ذلك، أصبح النفط مصدراً مالياً كبيراً للمملكة العربية السعودية. فبدأ الملك عبدالعزيز بتنظيم الشؤون المالية في البلاد.
لقد كان التنظيم المالي، في مرحلة التوحيد الأولى، مشابهاً لما كان سائداً في الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية، إذ كان دخل البلاد، يتجه إلى خزينة الملك عبدالعزيز، الذي ينفقه على متطلبات البلاد، بالأسلوب الذي يراه مناسباً. ولكن، بعد توحيد منطقة الأحساء والقطيف، رغب الملك في الاستفادة من النظام المالي العثماني السابق، الذي كان سائداً هناك، فعين موظفاً من موظفي العثمانيين السابقين، للإشراف على مالية تلك المنطقة، تحت رعاية أميرها.
وبعد ضم منطقة الحجاز، قام الملك عبدالعزيز بتأليف لجنة، سنة 1344هـ/ 1925، لدراسة أوضاع الحجاز المالية. وفي سنة 1346/ 1927م، ربط الملك عبدالعزيز جميع الدوائر المالية الصغيرة، في الحجاز، بإدارة واحدة، سُميت مديرية المالية العامة. التي كانت مسؤولة أمامه، وعين عبدالله السليمان الحمدان مديراً لها. وفي جمادى الآخرة سنة 1348هـ/1929م، حولت هذه المديرية إلى وكالة. وأصبح لقب المدير العام وكيل المالية العام. وربطت به مالية الأحساء. وجيء بالخبير الهولندي، فان لي، ليصبح مستشاراً مالياً. فقام ببعض التنظيم المالي. ولكن إقامته لم تدم طويلاً. وفي 20 جمادى الأولى 1351هـ/21 سبتمبر 1932م، رأى الملك عبدالعزيز توسيع نطاق وكالة الشؤون المالية، لتصبح وزارة المالية. فأنشئت وزارة المالية، وصدر نظام المالية في 103 مواد، ونشر في جريدة "أم القرى"، في السنة نفسها. كما أصبح عبدالله السليمان الحمدان وزيراً مسؤولاً. وعُين أخوه، حمد السليمان الحمدان وكيلاً له. وربطت بالوزارة إدارات التموين، والحج، والزراعة، والأشغال العامة والتعدين. وجيء بالخبراء، الماليين والجمركيين والزراعيين، والمهندسين، من سورية، ولبنان، ومصر، والعراق. غير أن بعض ما ربط بهذه الوزارة، فصل عنها، بعد فترة. وفي سنة 1348هـ/1929م، كانت أول محاولة لعمل ميزانية للدولة. وبعد خمس سنوات من ذلك التاريخ، خرجت أول ميزانية رسمية للدولة (1353هـ/1934م)، فُصّلت فيها أبواب الواردات والنفقات العامة. وبلغت الميزانية أربعة عشر مليون ريـال. وفي عام 1367هـ / 1948م، صدرت ميزانية أخرى فتجاوزت مائتَي مليون ريـال.
وقد اهتم الملك عبدالعزيز بمسألة النقد. فعمل على تنظيمه، حفاظاً على مصلحة البلاد ومواطنيها. فقد كان في البلاد السعودية، أثناء مرحلة التوحيد وما بعدها، عدة عملات متداولة، منها ما هو عثماني أو بريطاني أو هندي أو نمساوي أو هاشمي. فلما تم توحيد الحجاز، أصدر الملك عبدالعزيز عملة رسمية، نحاسية، من فئات القرش ونصفه وربعه، تحمل اسم "عبدالعزيز آل سعود ملك الحجاز وسلطان نجد"، وذلك عام 1344هـ / 1925م. وسُحبت العملة الهاشمية بكل فئاتها، وذلك في عام 1345هـ / 1926م.
وفي سنة 1346هـ / 1927م، أصدر الملك عبدالعزيز أول نظام للنقد، سُمي بالنقد العربي. وتم سك الريـال العربي ونصفه وربعه، من الفضة الخالصة. كما تم سك فئة القرش ونصفه وربعه، من النحاس. وأصبح الريـال العربي وأقسامه، عملة رسمية لمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، بدءاً من غرة شعبان 1346هـ/24 يناير 1928م.
وفي 25 رجب سنة 1371 هـ/ 21 أبريل1952م، صدر مرسومان ملكيان بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي وفي 3 صفر 1372هـ / 25 أكتوبر 1952م، أصدرت الدولة الجنيه الذهبي السعودي، الذي كان مساوياً للجنيه الإنجليزي الذهبي. كما أصدرت الدولة أول عملة ورقية، عرفت باسم إيصالات الحجاج، في سنة 1372هـ / 1953م، من فئة عشرة ريالات، ثم فئة خمسة ريالات، في سنة 1373هـ ، وفئة ريـال واحد في سنة 1375 هـ.