تنظيم التعليم
كان الملك عبدالعزيز مهتماً بالناحية العلمية، منذ بداية مسيرته لتوحيد البلاد .وكان يقدر العلماء، ويأنس إلى مجالستهم. ويقول الدكتور العثيمين، في ذلك: "فقد كان (الملك عبدالعزيز) يقدر العلماء. ولا يخلو مجلسه، في كثير من الأحيان، منهم، حضراً أو سفراً. بل كان منهم من يصحبه في تحركاته العسكرية، وكان يشجع طلاب العلم، وفق إمكاناته المحدودة جداً، حينذاك".
وبدأ الملك عبدالعزيز بتحضير البادية. وأرسل المرشدين الدينيين إلى مضارب البادية، ثم إلى الهجر، التي تكونت بعد ذلك. فكانت تلك خطوة رائدة في مجال التعليم، وعلامة على حرصه على تعليم رعاياه ما هو ضروري، من أصول الدين وفروعه. فانتشرت المعرفة الدينية بين أتباعه.
ولما ضم الملك عبدالعزيز الحجاز، وجد في تلك المنطقة نوعاً من التعليم المنظم. فبدأ بتطويره. وأمر بتأسيس مديرية المعارف العمومية في مكة، لتهتم بشؤون التعليم وتطويره، وذلك سنة 1344هـ / 1926م، وكانت مرتبطة بالنائب العام.
وقد عُين السيد صالح شطا، أول مدير لتلك المديرية. وكان آخر مدير لها، هو الشيخ محمد المانع. وبعد أقل من عامَين على إنشاء مديرية المعارف العمومية، أُنشئ مجلس للمعارف، للإشراف على سير التعليم وتنظيمه. وبعد مضي ثلاثة أشهر على إنشائها، بدأت مديرية المعارف نشاطها المكثف، حيث ففتحت عدة مدارس أبوابها للتلاميذ. ويقول الدكتور العثيمين، في ذلك: "ولعل مما يدل على نشاطها، أن أول ميزانية لها، كانت 5665 جنيهاً، ثم قفزت عام 1347هـ/1928م إلى 14791 جنيهاً، ثم إلى 23140 جنيهاً، في العام التالي".
ولم يتوقف نشاط مديرية المعارف العمومية عند مساعدة التعليم الحكومي، بل شمل مساعدة التعليم الأهلي. وقد واجهت، في بداية تكوينها، عقبة الافتقار إلى المعلمين من أبناء البلاد. فسارعت إلى افتتاح المعهد العلمي السعودي، سنة 1345هـ / 1926م، الذي كانت مدة الدراسة فيه ثلاث سنوات. ومهمته إمداد التعليم، الابتدائي والأولي، بالمعلمين الأكفاء. وكان الشيخ السوري، محمد بهجة البيطار، أول مدير له. كما شجعت مديرية المعارف العمومية الابتعاث الخارجي، فأرسلت سنة 1346هـ / 1927م أول بعثة من المتخرجين، إلى مصر، وذلك لسد الحاجة إلى متخصصين في علوم لا يتأتّى تدريسها داخل البلاد، حينذاك. ولكن، برزت مشكلة أخرى، أمام من كان يريد الدراسة في كليات علمية، تخصصية أو تقنية، كالهندسة، والطب، والزراعة، والصناعة، إذ إن المواد، التي كان يدرسها الطلاب السعوديون، لم تكن تؤهلهم للالتحاق بتلك الكليات. فأنشأت مديرية المعارف العمومية مدرسة تحضير البعثات، وذلك سنة 1356هـ/1937م. وكان منهجها مشابهاً لمنهج المدارس الثانوية، في مصر، وكان أول مدير لها السيد أحمد العربي.
وقد ركزت مديرية المعارف العمومية نشاطها، في بادئ الأمر، في منطقة الحجاز. ثم وسعت ذلك النشاط، ليشمل جميع مناطق المملكة. فبدأت سنة 1356هـ/1937م، بافتتاح المدارس في بقية المناطق. وانتشرت، بعد ذلك العام الدراسي، انتشاراً عظيماً، فارتفع عدد المدارس الابتدائية من إحدى وسبعين مدرسة، سنة 1367هـ/1948م، إلى أكثر من مائتَي مدرسة، سنة 1373هـ/1954م . كما ارتفع عدد المدارس الثانوية، في الفترة نفسها، من خمس إلى اثنتَي عشرة مدرسة ثانوية.
وشجعت مديرية المعارف الاهتمام بالتعليم الديني، وذلك لحاجة البلاد إلى كوادر وطنية، في مجالات القضاء والإرشاد، وتدريس العلوم الدينية. فقامت المديرية بإنشاء مدرسة دار التوحيد، في الطائف في سنة 1364هـ/1945م. وكانت تدرس أصول الدين وفروعه، وعلوم اللغة العربية. وفي سنة 1350هـ/1931م، افتتحت مديرية المعارف أول معهد علمي، في الرياض. وتولى إدارته الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، الذي كان منهجه مشابهاً لمدرسة دار التوحيد بالطائف.
كما اهتمت مديرية المعارف بالاختصاصات الأخرى، كالزراعة، والصحة، والتجارة، والأمور العسكرية، إضافة إلى إنشاء مدارس خاصة لفئات من المجتمع، كمدارس أبناء العشائر، والأيتام.
ولم يقتصر نشاط مديرية المعارف، في عهد الملك عبدالعزيز، على المراحل السابقة للمرحلة الجامعية، بل كان للتعليم الجامعي نصيبه الوافر؛ فإضافة إلى الابتعاث الخارجي للدراسة الجامعية، أنشئت كلية الشريعة، في مكة، سنة 1369هـ/1950م. وفي سنة 1372هـ/1953م، أُنشئت كلية الشريعة، في الرياض.
والجدير بالذكر، أن من حرص الملك عبدالعزيز على العلم وتعليمه، أمره بأن يكون التعليم مجاناً. كما خصصت مكافآت مجزية لطلاب بعض المدارس والمعاهد، وطلاب الكليات.
وفي 18 ربيع ثاني 1373هـ/24 ديسمبر 1954م، تحولت مديرية المعارف إلى وزارة المعارف. وكان الأمير فهد بن عبدالعزيز أول وزير للمعارف.