تنظيم الأمن
كان لتطبيق الشريعة الإسلامية الغراء، في الدولتَين السعوديتَين، الأولى والثانية، أثره في رسوخ الأمن واستقراره. ولقد استفاد الملك عبدالعزيز من خبرة أسلافه، في هذا المجال، فطبق الشريعة الإسلامية، بحزم. فضرب على أيدي المجرمين، بصرامة، فاستتب الأمن في ربوع بلاده. ولكنه تجاوز خبرة أسلافه، في مجال الأمن وتنظيمه، فاستحدث أفكاراً رائدة، وتنظيمات رائعة، مما جعل جهوده تؤتي ثماراً وفيرة الخير، مستمرة النماء.
فقد قام الملك عبدالعزيز بإرسال الدعاة والمرشدين الدينيين إلى مضارب البادية، لنشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وحثّ أفراد البادية على الاستيطان. وقد نجحت جهوده في استقرار فئات منهم في الهجر، الأمر الذي أدى إلى فهْم العقيدة الإسلامية، وممارسة واجباتها الدينية، كما ينبغي، مما أدى إلى استتباب الأمن ورسوخه.
ولما تم توحيد منطقة الحجاز، كرّس الملك عبدالعزيز جهوده لاستتباب الأمن فيها، خاصة أن فيها الحرمَين الشريفَين. فأصبح مسؤولاً ليس عن توفير الأمن لمواطنيه فحسب، بل عن أمن الحجاج القادمين إلى تلك الأماكن المقدسة، كذلك. وقد استفاد الملك عبدالعزيز من بعض الإجراءات الأمنية، التي كانت سائدة، أيام العثمانيين، وزمن الحكومة الهاشمية، وسعى إلى تطويرها. فقام بإنشاء مديرية الشرطة العامة، وذلك في سنة 1344هـ/ 1925م، في مكـة. وقد رُبطت هذه المديرية، في بداية عهدها، بمدير الأمن العام. كما رُبطت مديرية الأمن العام بالنائب العام للملك في الحجاز. كما أُنشئت عدة إدارات أخرى للشرطة، في مناطق متعددة من المملكة. وكان لبعضها اختصاصات محددة، مثل وحدة الدرك، وشرطة الحرم، وشرطة السكة الحديدية. وفي سنة 1349/1930، صدر مرسوم ملكي، يقضي بتوحيد جميع الدوائر العسكرية، ومنها الشرطة. فأصبحت إدارة الشرطة، في المملكة، تحت رئاسة مدير الأمن العام. وعُين مهدي بك المصلح مديراً للأمن العام، علاوة على منصب مدير شرطة مكة المكرمة. وأصبحت قوات الشرطة، تعتمد على قوى المشاة، وجنود المرور والخيالة، والآليات، كالسيارات والدراجات النارية.
ومع توسع تشكيلات الشرطة، وتشعب إداراتها، احتاجت إلى دعمها بضباط مؤهلين، ومتخصصين في العلوم الجنائية. فأنشئت مدرسة الشرطة، سنة 1354هـ/1935م. وقد صرفت رواتب للطلبة الملتحقين بها، وذلك تشجيعاً لهم على الاستمرار في الدراسة.
وفي سنة 1363هـ/1944م، تم تحويل مديرية الشرطة العامة، إلى مديرية الأمن العام. فتوسعت مسؤولياتها وأعمالها، فاستعانت بخبراء من الدول العربية على تطوير أجهزتها. كما ابتعثت الدولة عدداً من رجالها إلى خارج البلاد، لدراسة شؤون الأمن العام، والاطلاع على كل جديد في ميدانه.
واستُحدثت، في سنة 1369/1950م، تشكيلات جديدة في إدارات الأمن المختلفة. وصدر نظام للأمن العام، في السنة نفسها.
وكانت مهمة الشرطة مركزة في حفظ الأمن، في المناطق الداخلية، في البلدان والمدن الكبيرة. أما الجهات الساحلية، فقد أُنشئ لأمنها جهاز، سُميّ حرس خفر السواحل. وكانت بدايته سنة 1331هـ، بعد ضم منطقة الأحساء والقطيف. ولكن بعد ضم الحجاز، أصبح حرس خفر السواحل أكثر تنظيماً وتطويراً. فبدأت أجهزة الأمن، تخطو خطوات واسعة. ومع مرور الزمن، أصبحت أكثر تنظيماً، وازدادت تقدماً، خاصة بعد تكوين وزارة الداخلية، في 11 رمضان 1370هـ/15 يونيه 1951م. وقد عُيِّن الأمير عبدالله الفيصل وزيراً لها.
كل هذه الجهود، التي قام بها الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ أدت إلى استتباب الأمن في ربوع المملكة العربية السعودية، هذا الأمن الذي تحدث عنه بإعجاب الكثير، من داخل المملكة وخارجها.