استرداد الرياض
أصبحت الرياض قاعدة للحكم السعودي، بعد أن اتخذها الإمام تركي بن عبدالله عاصمة له، سنة1240هـ /1824م، بدلاً من الدرعية. واستمرت عاصمة للدولة السعودية الثانية، إلى سقوطها، سنة 1309هـ/ 1891م، لتصبح، بعد ذلك، واحدة من البلدان، التي تخضع لحكم ابن رشيد في نجد. ولكن الرياض لها تاريخها العريق في أذهان الناس، خاصة في نجد، لكونها قاعدة للحكم السعودي، ورمزاً إلى شرعية ذلك الحكم. ولهذا، فقد قرر عبدالعزيز، أن يهاجمها، يشجعه على ذلك تأييد أهلها له ولأسرته، ولرغبتهم في التخلص من حكم ابن رشيد، الذي سامهم سوء العذاب، بعد محاولة عبدالعزيز الأولى، لاسترداد البلدة.
واصل عبدالعزيز بن عبدالرحمن، ورفاقه، السير الحثيث، يستريحون نهاراً، ويسيرون ليلاً، حتى بلغوا مكاناً، يقال له "الشقيب"، من ضواحي الرياض، في الخامس من شوال سنة 1319هـ / 15 يناير 1902م . ووضع عبدالعزيز خطة محكمة للاستيلاء على الرياض. فقسم رجاله إلى ثلاث مجموعات. واحدة مكونة من عشرين فرداً، ترابط عند الإبل حتى الصباح، وتكون احتياطياً، خارج الرياض. وأمرت بالبقاء في مكانها، فإذا حل الصباح، ولم يصلها خبر من الأمير عبدالعزيز، فعلى أفرادها أن ينجوا بأنفسهم، إذ قد يكون عبدالعزيز وأتباعه قد قتلوا. وإذا تحقق لهم الظفر، واستولوا على البلدة، فسيأتيهم رسول من قبله، يلوح لهم بثوبه، إشارة لهم، يعرفونها، للحاق به. أما المجموعة الثانية، المكونة من ثلاثين رجلاً، بقيادة أخيه، محمد بن عبدالرحمن، فعليها أن تختبئ في إحدى المزارع، خارج أسوار الرياض، حتى تصلها الأوامر من عبدالعزيز، ومهمتها حماية ظهور المجموعة الثالثة. أما الثالثة، وقوامها عشرة رجال، يقودهم الأمير عبدالعزيز. فتدخل الرياض. وقد كان لقلة أفراد المجموعة، التي كانت بقيادة عبدالعزيز أثرها في سهولة دخول المدينة، في ظلام الليل. فاستطاع هؤلاء النفر بقيادة عبدالعزيز، أن يدخلوا بيتاً مجاوراً لبيت عامل لابن الرشيد، وهو عجلان بن محمد، فتسلق عبدالعزيز ورفاقه إلى بيت عجلان، ولكنهم لم يجدوه فيه. وأخبرتهم زوجته أنه نائم في قصر المصمك، عند رجال حامية ابن رشيد، وأنه لا يأتي من ذلك القصر إلى بيته، إلا بعد طلوع الشمس، وذلك لعدم اطمئنانه إلى الأوضاع المحيطة به. فانتظر الجميع خروج عجلان من قصر المصمك. وفي هذه الأثناء، أرسل عبدالعزيز إلى أخيه، محمد ورفاقه، ال ذين بقوا خارج السور،فانضموا إليهم وتكاملوا داخل بيت عجلان.
فلما خرج عجلان بن محمد من قصر المصمك، بعد شروق الشمس، ومعه عدة رجال، أطلق عليه عبدالعزيز النار من بندقيته، فلم يقتله. ثم تتابع الرصاص من الباقين، صائحين صيحة، ملأت البلد: (أهل العوجا.. أهل العوجا) وتعقبوا عجلان ورجاله. وتمكن عبدالعزيز من إمساك رِجل، عجلان، وهو يحاول العودة إلى القصر، وقد أدخل يديه ورأسه في فتحة باب القصر (الجوخة)، فرفس عبدالعزيز، وأفلت من يديه. فازدحم عبدالعزيز ورفاقه، عند باب القصر، والحامية تصب رصاصها عليهم . ودخل عبدالله بن جلوي القصر، في أثر عجلان، فأدركه جريحاً في مسجد القصر، فأجهز عليه برصاصة من بندقيته. وقُتل عدد من أتباعه. وتتابع رجال عبدالعزيز في دخول القصر، فاضطر باقي رجال الحماية إلى الاستسلام. ونودي، في الرياض، أن الحكم لله، ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.
وبعد انتهاء معركة القصر، تتبع عبدالعزيز رجال ابن رشيد، الذين كانوا خارج القصر وقتلهم. وخرج فهد بن جلوي، على جواد من خيل عجلان، وذهب إلى الرجال، الذين أبقوهم عند الرواحل، وأدخلهم البلدة.
وبذلك خطا الملك عبدالعزيز خطوته الأولى، لاستعادة حكم آبائه وأجداده، ومن ثم، توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية. وفي ذلك التاريخ، 5 من شوال سنة 1319هـ/15 من يناير سنة 1902م، بدأت الدولة السعودية الثالثة.
اندفع سكان الرياض إلى مبايعة حاكمهم الجديد، الذي أعاد الحق إلى أصحابه. ولم ينس الابن أباه، فأرسل عبدالعزيز رفيقه، ناصر بن سعود، ليبشر الإمام عبدالرحمن، والشيخ مباركاً، في الكويت، بفتح الرياض، ويطلب المدد. وفي الوقت نفسه، شرع يحصن الرياض. وتمكن، بمساعدة أهلها، من بناء سور حصين للعاصمة، في أربعين يوماً، بعد أن كان هدمه ابن رشيد، على أثر وقعة حريملاء، عام 1308هـ. وأمده والده والشيخ مبارك الصباح، بسبعين رجلاً وذخيرة، تحت قيادة أخيه، سعد بن عبدالرحمن الفيصل.
وكان الأمير عبدالعزيز بن متعب بن رشيد، في تلك الأثناء، في حفر الباطن، يفاوض العثمانيين، ليساعدوه على احتلال الكويت. ولما وصله خبر دخول عبدالعزيز بن سعود الرياض، لم يهتم كثيراً، واستهان بأمره، قائلاً لرجاله: "لا يهمكم أمره؛ فهو أرنب محجورة. ومتى ما فرغنا من مهمتنا، التي جئنا إلى هنا من أجلها ،أتيناه في عقر داره، وقتلناه وجميع من معه". وأقام في حفر الباطن أربعة أشهر، بعد فتح الرياض، يفاوض الأتراك، ويمني نفسه بقتل ابن سعود، واستعادة الرياض، واحتلال الكويت معاً. وبعد أن لمس تقاعس الأتراك ومماطلتهم، تشاور مع رجاله، واستقر رأيه على التوجه إلى عاصمته، في حائل، وتجهيز جيش كبير، لغزو الرياض.