هل تعلم أن

تركي بن عبدالله وقيام الدولة السعودية الثانية

2011/01/24
تركي بن عبدالله وقيام الدولة السعودية الثانية






لما رأى تركي بن عبدالله غدر محمد بن مشاري بن معمر، بالحاكم الشرعي ـ بعد ما تنازل له ـ واستعاد الحكم في الدرعية، صمم تركي بن عبدالله على إعادة الأمر إلى نصابه. فانطلق من مخبئه في بلدة الحائر إلى بلدة ضرما، وجمع حوله أنصاره ومؤيديه، وسار بهم إلى الدرعية، وباغت محمد بن مشاري بن معمر وقبض عليه. ومن هناك أسرع نحو الرياض، فاستولى عليها، وقبض على أميرها مشاري بن محمد بن معمر. وهدد ابن معمر، بأنه لن يطلقه وابنه مشارياً حتى يطلق أتباع ابن معمر سراح الأمير مشاري بن سعود، المعتقل في بلدة سدوس. ولكن أنصار ابن معمر، سلموا مشاري بن سعود إلى القائد التركي، أبوش أغا، خوفاً من بطش الترك. فأرسله إلى عنيزة وسجن بها، حتى وافته المنية فيها. ولما علم تركي بن عبدالله بذلك، نفذ تهديده فقتل محمد بن معمر وابنه مشارياً، وكان ذلك في عام 1236هـ / 1821م. واتخذ تركي بن عبدالله من الرياض مركزاً لنشاطه، لقوة تحصينها.

ولم تستقر الأمور لتركي بن عبدالله في الرياض، فقد هاجمها فيصل الدويش وأتباعه وحاصروها، ومعهم رجال من القوة العسكرية الموجودة في عنيزة. وصمد تركي بن عبدالله وأهل الرياض، حتى انسحبت القوات إلى الوشم. وهذا عجل بإرسال محمد علي باشا تعزيزات عسكرية، بقيادة حسين بك، وانضم إليها القائد أبوش أغا بقواته، فتقدم إلى الرياض مع عدد من أفراد الجيش، ومن انضم إليه من أهل نجد، فدخلها وحاصر تركي بن عبدالله، في قصر الإمارة.
ولما اشتد الحصار، تسلل تركي بن عبدالله ليلاً إلى خارج المدينة، ولجأ إلى جنوب نجد، بينما طلب من كانوا معه الأمان من قائد الفرقة العسكرية، ووعدوا بذلك، فاستسلموا، ثم غُدِر بهم، فقتلوا أو أكثرهم، وأُرسِل عمر بن عبدالعزير وأبناؤه، إلى مصر.
وبعد أن قامت قوات حسين بك بأعمال التنكيل والقتل في أهالي نجد، وبثت الرعب في نفوسهم، وصادرت الأموال، غادرت نجداً تاركة حاميات صغيرة في الرياض ومنفوحة وثرمدا وعنيزة.

وأعقبتها حملة أخرى، بقيادة حسين أبي ظاهر، بعد تجدد الاضطرابات بين الزعماء المحليين. وقد تكبدت تلك الحملة خسائر فادحة، بمقتل 300 رجل منها، على يد قبيلة سبيع، قرب الحائر، في أواخر عام 1237هـ / 1822م. وقاومها أهل عنيزة، مما اضطره للانسحاب نحو المدينة المنورة، بعد أن ترك حامية من 600 جندي، في قصر الصفا خارج عنيزة. ثم غادرها هؤلاء الجنود، أيضاً، في رجب عام 1238هـ / 1823م.

وفي رمضان عام 1238هـ / 1823م، بدأ تركي بن عبدالله تحركه، من مخبئه في بلدة الحلوة - جنوبي نجد - لإخراج بقية القوات الغازية، الموجودة في الحاميات بالرياض ومنفوحة. فانطلق منها وجمع أتباعه عند بلدة عرقة، قرب الرياض. وتوافدت إليه جموع المؤيدين من نواحي سدير والوشم. وبعد قتال استمر عاماً ضد الحاميتَين في الرياض ومنفوحة، أجبر من كان فيهما من الجنود، بقيادة علي المغربي، على المغادرة إلى الحجاز، في أواخر عام 1239هـ/1824م، وأمر مشاري بن ناصر آل سعود بدخول الرياض، وتوجه هو إلى الوشم، حيث أقام في شقراء، مدة شهر. وفيها قدم عليه أمير عنيزة، يحيى بن سليم، مبايعاً إياه على السمع والطاعة، وذلك في مستهل عام 1240هـ / 1824م.

ويُعَدّ هذا التاريخ، الذي رحلت فيه القوات المصرية عن نجد، بداية لقيام الدولة السعودية الثانية، وعاصمتها الرياض. وانتقل الحكم في أسرة آل سعود، من أبناء عبدالعزيز بن محمد بن سعود، إلى أبناء عبدالله بن محمد بن سعود.
وفي خلال عامين، شملت هذه الدولة معظم بلاد نجد، ودان أهلها بالولاء لتركي بن عبدالله، الذي تحلّى بصفات قيادية عظيمة، جمعت حوله قلوب الزعماء والأهالي.

وفي عام 1241هـ / 1825م، عاد الشيخ عبدالرحمن بن حسن ـ حفيد الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ من مصر إلى الرياض، وتولى الشؤون الدينية في الدولة، وأبدى المشورة في تسيير أمورها.
وفي عام 1243هـ / 1827م، هرب فيصل بن تركي ـ نجل الإمام تركي بن عبدالله ـ من مصر، ولحق بأبيه في الرياض، وساعده على توطيد أركان دولته.