سار الأمير محمد بن سعود، إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في بيت ابن سويلم. ورحب به قائلاً: "أبشر ببلاد خير من بلادك. وأبشر بالعز والمنعة". فقال الشيخ: "وأنا أبشرك بالعز والتمكين. وهذه كلمة لا إله إلا الله، من تمسك بها، وعمل بها، ونصرها، ملك بها البلاد والعباد. وهي كلمة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل، من أولهم إلى آخرهم".
ولا تذكر المصادر تاريخاً لهذه المقابلة المهمة. ولكنها كانت بعد قدوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية، بفترة قصيرة.
ولقد خشي الأمير محمد بن سعود أمرَين، إن قام بنصرة دعوة الشيخ:
أولهما: أن يهجره الشيخ إلى مكان آخر، ويستبدل به غيره.
ثانيهما: أن يقف الشيخ في وجه ما يأخذه من مال، من أهل الدرعية.
لذلك، أراد الأمير، أن يكون بينه وبين صاحب الدعوة، عهد وميثاق، فقال له:
"يا شيخ، إن هذا دين الله ورسوله، الذي لا شك فيه. وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد. ولكن أريد أن أشرط عليك شرطَين اثنَين:
الأول: نحن إذا قمنا بنصرتك، والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان، أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا.
الثاني: إن لي على الدرعية قانوناً (أي ما يدفعه الضعيف إلى القوي، ليحميه ويدافع عنه) آخذه منهم، في وقت الثمار، وأخاف أن تقول، لا تأخذ منهم شيئاً".
فأجاب الشيخ: "أيها الأمير، أما الأول، فابسط يدك. الدم بالدم والهدم بالهدم.
وأما الثاني، فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات، فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها".
ثم بسط محمد بن سعود يده، وبايع الشيخ محمد بن عبدالوهاب على نصرة دين الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يقول المؤرخ حسين بن غنام: "وقد بقي الشيخ، بيده الحلّ والعقد، والأخذ والإعطاء، والتقديم والتأخير. ولايركب جيش، ولا يصدر رأي من محمد بن سعود، ولا من ابنه، عبدالعزيز، إلا عن قوله ورأيه. فلما فتح الله الرياض، واتسعت ناحية الإسلام، وأمنت السبل، وانقاد كل صعب، من باد وحاضر، جعل الشيخ الأمر بيد عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وفوض أمور المسلمين وبيت المال إليه...".
وصارت الدرعية مركزاً لنشر دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية، تقاطر إليها طلاب العلم في الدين، الذين صاروا، فيما بعد، أنصاراً للدعوة، وللدولة. وبدأ الشيخ يبعث برسائله إلى أمراء البلاد المجاورة، وزعماء القبائل، يبلغهم ما يدعو إليه، من إحياء للدين، ومحاربة للبدع. ولقد تكاثر مؤيدو الدعوة، وتوافدوا على الدرعية، حتى ضاقت بهم. ولكن الله، فتح لها، من أبواب الخير والرزق، الكثير من الزكاة والغنائم، مما أدى إلى تحسن أوضاع الناس المعيشية.
توفي الشيخ محمد بن عبدالوهاب، يوم الإثنين، آخر شوال سنة 1206هـ/ يونيه 1792م. وله من العمر نحو اثنَين وتسعين عاماً. وترك أربعة من الأبناء، كلهم أخذ العلم عنه، وهم حسين وعبدالله وعلي وإبراهيم. وكانت لهم مجالس ومحافل للتدريس، في الدرعية. وقد تولى ابنه، الشيخ حسين مكانه، كما كان قاضياً في الدرعية. وتوفي في ربيع الثاني عام 1224هـ/ مايو 1809م.